Minggu, 20 Mei 2012

العلل النحوي


العلل النحوي

أ‌.         مقدمة
1.     التمهيد
لقد كانت العلل النحوية سارية على ألسنة النحاة منذ وجد النحو،وقد فتح الخليل الباب للتعليل أمام النحاة على مصراعيه ,وذلك بعد ما سئل عن العلل النحوية : أأخذها عن العرب أم اخترعها من لدن نفسه ؟ فقال : " العرب نطقت على سجيتها وطباعها , وعرفت مواقع كلامها , وقام في عقولها علله , وإن لم ينقل ذلك عنها , واعتللت أنا بما عندي أنه علة لما عللته منه. فإن سنح لغيري علة لما عللته من النحو هو أليق مما ذكرته بالمعلول فليأت بها " [1]
وهي عند الخليل والذين عاصروه ومن أتى بعدهم مستمدة من روح اللغة، معتمدة على كثرة الشواهد من حيث الدليل والبرهان، وعلى الفطرة والحس من حيث طبيعتها. ولم تكن ذات طبيعة فلسفية وإن كانت فكرتها في الأصل مقتبسة من التفكير الفلسفي. والعلل إنما أصلها في الفقه والمنطق. وعلى هذا فالعلة ثلاثة أنواع:
1. العلة المنطقية، أو الكلامية.
2. العلة الفقهية.
3. العلة النحوية.

2.     تحديد البحث
1.               مفهوم العلل النحوي
2.               انواع العلل النحوي
3.               خصائص اللعلل النحوي

ب‌.      المباحيث
1. مفهوم العلل النحوي
العلة في اللغة : هي السبب. واصطلاحا : هي الحكم الذي يعطى عن الكلمة في بنائها وإعرابها. وعلل النحو هي : هي الجواب عن كل حكم إعرابي يخضع له الاسم في حالاته الثلاث الرفع والنصب والجر, والفعل في حالتي الإعراب والبناء , وكذلك في الرد على حكم الاسم المبني .
ثم بيّن ابن جني في كتاب ( الخصائص)أن علل النحويين قريبة من علل المتكلمين، بل هي أقرب إلى هذه العلل من قربها إلى علل المتفقهين. وعلل ما ذكـره بقـوله:" وذلك أنـهم إنما يحيلون على الحــس، ويحتجون فيه بثقل الحال أو خفتها على النفس، وليس كذلك حديث علل الفقه."[2]
وفرق بينهما بقوله : " فجميع علل النحو إذا مواطئة للطبع , وعلل الفقه لا ينقاد جميعها هذا الانقياد . فهذا فرق. " وهو أيضا يقر بأن العلل النحوية لا تبلغ قدر علل المتكلمين البتة وفي هذا يقول " واعلم أنا ـ مع ما شرحناه وعنينا به فأوضحناه من ترجيح علل النحو على علل الفقه , وإلحاقها بعلل الكلام ـ لا ندعي أنها تبلغ قدر علل المتكلمين , ولا عليها براهين المهندسين."[3]

2.انواع العلل
ذكر لها الزجاجي في كتاب ( الإيضاح في علل النحو) على ثلاثة  أنواع، هي:
1.   العلل التعليمية: وهي التي يتوصل بها إلى تعلم كلام العرب
2.   العلل القياسية : وهي الأجوبة الثانية في أحكام الإعراب والبناء , وتسمى أيضا بعلة العلة , وهي ما يسميها الدينوري  بالعلة الحِكْمية , وكأنها علل تظهر حكمة العرب , عن طريق كشف صحة أغراضهم [4].
ويرى ابن جني أن تسمية هذا النوع من العلل بعلة العلة ضرب من التجوز في اللفظ فأما الحقيقة ـ كما يقول ـ فإنه شرح وتفسير وتتميم للعلة .
3.   العلل الجدلية النظرية:وهي الأجوبة الثالثة في أحكام البناء والإعراب , وتسمى أيضا بعلة علة العلة .
مثال : في قولنا "ظهر الحق " نقول لماذا ارتفع " الحق " ؟ الجواب : لأنه فاعل ( علة أولى أى : تعليمية ) ولماذا ارتفع الفاعل ؟ للإسناد ( علة ثانية أي : قياسية ) ولما ذا صار ما أسند إليه الفعل مرفوعا ؟ لأن صاحب الحدث أقوى الأسماء والضمة أقوى الحركات فجعل الأقوى للأقوى  علة ثالثة أي : جدلية.
وقد أنكر ابن مضاء على النحاة اعتلالهم بالعلل الثواني والثوالث ودعى إلى حذفها من النحو العربي لأنه يرى أن فيها تعقيدا للنحو ولا يرى لها قيمة إلا أنها تفيدنا في بعض المواضع أن العرب أمة حكيمة.[5]
 وعند النظر في تقسيم العلل نجد اختلافا كبيرا في ذلك, ومرد هذا الاختلاف إلى الاعتبار الذي قسم من خلاله العلماء هذه العلل, فالزجاجي اعتبر بأسلوب العلل في تقسيمه السابق , بينما نجد ابن جني يعقد بابا في الخصائص يفرق فيه بين نوعين من العلل, ألا وهي العلل الموجبة : وهي التي تبنى على الإيجاب كأن يكون الفاعل مرفوعا والمفعول منصوبا , فعلل هذه , الداعية إليها موجبة لها , غير مقتصر بها على تجويزها , أما النوع الثاني فهو : العلل المجوزة : وهي التي تبنى على سبب يكون الحكم فيه جائزا لا واجبا , مثل أن تقع النكرة بعد المعرفة التي يتم الكلام بها , وتلك النكرة هي المعرفة في المعنى , فأنت مخير بين جعلها صفة أو حالا فتقول : مررت بزيد رجلٍ صالح أو رجلاً صالحا .
وهذا التقسيم عنده باعتبار الحكم في العلة , وإذا انتقلنا إلى السيوطي في الاقترح  نجده يذكر تقسيمين آخرين للعلل , فالأول باعتبار الشيوع , وذكر تحته قسمين : العلل المطردة : وهي التي تقاس على كلام العرب , وتنساق إلى قانون لغتهم , وجعل تحتها أكثر من أربعة وعشرين نوعا منها : علة سماع وعلة تشبيه وعلة توكيد , وهي العلة التعليمية .والعلل الحِكْمية : وهي التي تظهر حكمة العرب , وتكشف عن صحة أغراضهم ومقاصدهم في موضوعاتهم .وهي العلل الثواني.
        والثاني : باعتبار طبيعة العلل , وتحته ثلاثة أقسام : العلة البسيطة : وهي التي يقع التعليل بها من وجه واحد , كالجوار والمشابهة. والعلة المركبة : وهي التي تفيد أكثر من علة في تعليل قياس ما , ويكون الحكم فيهابمجموع الأمرين , كالمنع من الصرف لعلتين.
        والعلة القاصرة : وهي التي يقتصر التعليل بها على مواضع معينة دون غيرها , كـ " عسى الغويرُ أبؤسا " حيث جرت عسى مجرى صار , ولم تعرف في غير هذا الموضع , وقد أنكر ابن جني هذه العلة وبين فسادها ـ فيما يراه ـ وعقد بابا لذلك في الخصائص .

3.خصائص العلل النحوية
نصل من الحصر السابق للعل التي استخدمها الرضي الأستراباذي في شرح الكافية إلى أن العلل التي وردت غزيرة متنوعة. كما أنها في معظمها تعالج ظواهر نحوية، وهي على هذا علل قريبة من علل الكلاميين، بل هي أقرب إلى هذه العلل من قربها إلى علل الفقهاء، حسب رأي ابن جني في علل النحويين. وربما كان اطلاع الرضي الأستراباذي على علم المنطق والكلام ترك أثراً في معالجاته النحوية ومنهجه فيها.
وهي كذلك تكرار وإعادة للعلل التي جاءت على ألسنة النحويين السابقين. ومنهم سيبويه    ( ت180هـ)، نحو قوله في باب (المنادى): " وانتصاب المنادى عند سيبويه على أنه مفعول به، وناصبه الفعل المقدر. وأصله عنده: يا أدعو زيداً، فحذف الفعل حذفاً لازماً، لكثرة الاستعمال، لدلالة حرف النداء عليه، وإفادته فائدته."[6].
فالعلة التي أوردها هنا على لسان سيبويه هي كثرة الاستعمال، وقد علل بها حذف فعل النداء بعد أداة النداء. وكذلك نحو قوله في باب (المضمر):" قال سيبويه: عسى محمول على لعل لتقاربهما معنى، لأن معناهما الطمع ولإشفاق. تقول: عساك أن تفعل كذا، تحمله على لعل في اسمه فتنصبه به، ويبقى خبره مقترناً بأن."[7]
والعلة التي ساقها هنا على لسان سيبويه هي علة التقارب، وبها علل حمل عسى على لعل. ومنهم الفراء (ت 207 هـ)، نحو قوله في باب ( المبتدأ والخبر):" وقال الفراء: لولا، هي الرافعة للاسم الذي بعدها لاختصاصها بالأسماء كسائر العوامل."[8]
فالعلة التي أوردها هنا على لسان الفراء النحوي الكوفي المذهب هي علة الاختصاص، وبها علل رفع الاسم الذي يقع بعد لولا. وكذلك نحو قوله في باب( المجرورات):" وأما الاسمان اللذان ليس في أحدهما زيادة فائدة كشحط النوى، وليث أسد، فالفراء يجيز إضافة أحدهما إلى الآخر للتخفيف".
والعلة في هذا القول على لسان الفراء هي علة التخفيف، وبها علل إضافة الاسمين اللذين ليس في أحدهما زيادة فائدة، أحدهما إلى الآخر. ومنهم الأخفش (ت 210هـ) في نحو قوله في باب (المضارع):" وقال الأخفش: إن الشرط مجزوم بالأداة، والجزاء مجزوم بالشرط وحده لضعف الأداة عن عملين والشرط طالب للجزاء، فلا يستغرب عمله فيه. وأجيب باستغراب عمل الفعل الجزم".
فالعلة التي أتى بها هنا على لسان الأخفش هي علة الضعف عن العمل عملين اثنين، وقد علل بها ما ذهب إليه من أن أداة الشرط تعمل في فعل الشرط دون أن يصل عملها إلى الجزاء.
ومنهم الأصمعي ( ت216 هـ)، قال في باب ( المنادى):" وقال الأصمعي: لا يوصف المنادى المضموم لشبهه بالمضمر الذي لا يجوز وصفه، فارتفاع نحو: الظريف، في قولك: يا زيد الظريفُ، على تقدير: أنت الظريفُ، وانتصابه على تقدير: أعني الظريفَ، وليس بشيء، إذ لا يلزم من مشابهته له كونه مثله في جميع أحكامه.". والعلة المذكورة هنا هي علة الشبه، وبها علل عدم وصف المنادى المضموم.
ومنهم الجرمي ( ت 225 هـ)، وذلك في قوله في باب (الفاعل):" واعلم أنه قد يتنازع الفعلان المتعديان إلى ثلاثة خلافاً للجرمي، نحو: أعلمْتُ وأعلمني زيدٌ عمراً قائماً، على إعمال الثاني وحذف مفاعيل الأول. وأعلمني وأعلمته إيّاهُ إيّاهُ زيدٌ عمراً قائماً، على إعمال الأول وإضمار مفاعيل الثاني. والأوْلى أنْ يُقال: أعلمتُه ذلك، قصداً للاختصار، إذ مفعول علمت في الحقيقة كما ذكرنا هو مضمون المفعولين، فيكون ذلك إشارة إليه، وإنما منعه الجرمي لعدم السماع."
وظاهر هنا أنّ العلة التي أتى بها على لسان الجرمي هي علة عدم السماع.
ومنهم كذلك المازني ( ت 249هـ)، وذلك في قوله في باب  (المضمر) يتحدث عن ضمير الفصل:" وأجاز المازني وقوعه قبل المضارع لمشابهته للاسم وامتناع دخول اللام عليه، فشابه الاسم المعرفة، قال تعالي: " ومكرُ أولئكَ هو يبور"  ، قال: ولا يجوز: زيدٌ هو قال، لأنّ الماضي لا يشابه الأسماء حتى يقال فيه : كأنه اسم امتنع دخول اللام عليه. وهذا الذي قاله دعوى أيضاً بلا حجة، وقوله تعالى: "ومكرُ أولئكَ هو يبور" ليس بنص في كونه فصلاً لجواز كونه مبتدأ ما بعده خبره .".
فالعلة التي أتى بها هنا على لسان المازني هي المشابهة، وبها علل المازني جواز وقوع ضمير الفصل قبل الاسم. ومنهم الرّياشي ( ت 257هـ)، وذلك في قوله في باب ( المفعول له):" ويُعزى إلى الرياشي وجوب تنكير المفعول له لمشابهته للحال والتمييز. وبيت العجاج قاض عليه وكذا قول حاتم:
وأغفرُ عَوراءَ الكريمِ ادّخارَهُ            وأُعرِضُ عنْ شتمِ اللئيمِ تكرما[9]
وكذا قوله تعالى:" حَذَرَ الموتِ" [10]
والعلة التي ساقها في هذا القول على لسان الرّياشي هي المشابهة كذلك، وبها علل وجوب تنكير المفعول له. ومنهم المبرّد ( ت 285 هـ) في نحو قوله في باب ( المضارع):" وهكذا، يقول المبرد فيما تقدم عليه ما هو الجزاء معنى، يقول: هو جزاء غير معمول فيه، وذلك الضعف عمل إنْ عن العمل في المتقدم عليها، فثبت أنها تنعزل عن جزم الجزاء بشيئين:
بكون الشرط ماضياً والجزاء مضارعاً. وبكون الجواب مقدماً. وهذا عند المبرد.
وواضح أن العلة التي أتى بها الرضي هنا على لسان المبرد هي علة الضعف.
ومنهم الزجاج ( ت311 هـ) في نحو قوله في باب ( الظروف) يتحدث عن (الآنَ): " ومنها الآنَ، قال الزجاج: بُني لتضمنه معنى الإشارة، إذا معناه هذا الوقت. وهذا مذهبه في بناء أمسِ، وفيه نظر، إذ جميع الأعلام هكذا متضمنة معنى الإشارة مع إعرابها".
وظاهر أنّ العلة التي أتى بها الرضي على لسان الزجاج هنا هي علة التضمن، وبها علل الزجاج بناء الآنَ. ومنهم السيرافي ( ت 368 هـ) في نحو قوله في باب (العامل):" وألف كلا بدل من الواو عند سيبويه لإبدال التاء منها في المؤنث، كما في أخت وبنت، ولم تُبدل التاء من الياء إلا في اثنتين. وقال السيرافي: هو بدل من الياء لسماع الإمالة فيه".
وأما العلة التي أتى بها في القول على لسان السيرافي فهي علة السماع. ومنهم أبو علي الفارسي (ت 377هـ)، في نحو قوله في باب (الظروف) يتحدث عن بناء ( الآنَ):" بُني لتضمنه اللام كأمسِ، وأمّا اللام الظاهرة فزائدة، إذ شرط اللام المعرفة أن تدخل على النكرات فتعرفها، والآن لم يُسمع مجرداً عنها" [11] .
وظاهر هنا أن العلة التي أتى بها الرضي على لسان أبي علي الفارسي هي علة التضمن، وبها يعلل أبو علي بناء: الآنَ. ومنهم كذلك الأعلم الشنتمري (ت 476هـ)، وذلك في قوله في باب (العطف): " وأمّا المتأخّرون فإن الأعلم الشنتمري منع نحو: زيدٌ في الدارِ والحجرةِ عمروٌ، مع تقديم المجرور إلى جانب العطف. قال: لأنه ليس يستوي آخر الكلام وأوله، قال: فإذا قدمت في المعطوف عليه الخبر على المخبر عنه نحو: في الدارِ زيدٌ والحجرةِ عمرو، جاز لاستواء آخر الكلام وأوله في تقديم الخبرين على المخبر عنهما".
وأما العلة التي أوردها في هذا القول على لسان الأعلم الشنتمري فهي علة الاستواء. ومنهم الزمخشري ( ت 538 هـ) في قوله في باب (الاسم) :" قال جار الله: وإنما لم تسقط في عرفات، لأن التأنيث فيها ضعيف، لأن التاء فيها كانت لمحض التأنيث سقطت، والتاء فيه علامة لجمع المؤنث. وفيما قاله نظر".
فالعلة التي أتى بها في هذا القول على لسان الزمخشري هي الضعف، وبها علل الزمخشري عدم سقوط التنوين من عرفات.ومنهم الأندلسي ( ت661 هـ) في نحو قوله في باب (الموصول): ( قوله: عليه. أي: على المضمر المستحق لغيره قبل، وإن استغنى بضمير جاز الإخبار عن ضمير آخر وإن رجع إلى ذلك المبتدأ وذلك وكما في نحو: زيدٌ ضاربهُ أخوه هو، لفظ هو يرجع إلى زيد لأنه ضميره، وقد أخر، وزيد مذكور في الصدر فلا يكون في ذكر ضميره فائدة وليس ما قال بشيء."[12]
وظاهر أن العلة التي ساقها هنا على لسان الأندلسي هي علة عدم فائدة. ومنهم ابن عصفور (ت 663هـ) في قوله في باب ( خبر ما ولا المشبهتين بليس) يتحدث عن عمل (ما):" وقال ابن عصفور وتبعه العبدي: لا يبطل عملها إذا كان الخبر المتقدم ظرفاً أو جاراً ومجروراً لكثرة التوسع فيه كما تعمل إنّ وأخواتها" . فالعلة التي أوردها في هذا القول هي كثرة التوسع.
وقد أتى الرضي في شرحه للكافية ببعض العلل ينسبها إلى المذهب البصري عامة تارة، وتارة ينسبها إلى المذهب الكوفي عامة.
فمن العلل التي أتى بها ينسبها إلى البصريين قوله في باب (الفاعل) يتحدث عن التنازع في عمل الفعلين المجاورين في المعمول الذي بعدهما: "وإنما اختار البصريون إعمال الثاني لأنه أقرب إلى المطلوب، فالأوْلى أن يستبد به دون الأبعد."  فالعلة التي أتى بها هنا هي علة القرب .
ومن العلل التي جاء بها ينسبها إلى الكوفيين قوله في باب (الأمر):" قوله: وحكم آخره حكم المجزوم. قال الكوفيون: هو مجزوم بلام مقدرة كما في قول حسان في أمر الغائب:
محمدُ تفدِ نفسَك كلُّ نفسٍ      إذا ما خفتَ من أمرٍ تَبالا
قالوا حذف حرف المضارعة مع عدم اللام مطّرداً لكثرة استعماله بخلاف أمر الغائب، فإنه أقل استعمالاً منه وبقي مجزوماً بتلك اللام المقدرة "[13].
وأما هنا فالعلة التي ساقها على لسان الكوفيين هي كثرة الاستعمال. ولعله يتضح مما تقدم أن رضي الدين في إتيانه بعلل على ألسنة النحويين لم يقتصر على النحويين المتقدمين، وإنما امتد هذا المصدر في الأخذ من القرن الثاني الهجري إلى القرن السابع الهجري، العصر الذي عاش فيه الرضي. وربما دل هذا على ميل ذهن الرضي إلى التوسّع والاستقصاء في التحقيق والبحث، على أنه لم يكن متعصّباً لعصرٍ من دون عصر، ومع هذا قد لا تكفي مثل هذه الإشارات إلى القطع بهذه الأحكام ولكن لعلها مع الإشارات السابقة والقادمة تزيد من وضوح هذه الأحكام.
وللرضي، إلى جانب ما تقدم، طريقة في التعليل اتبعها في كثير من المواضع. وهي أنه قد يعلل بالإحالة إلى موضع آخر، وربما حدد هذا الموضع وعين اسمه ، مثلما نرى في قوله في باب ( المبتدأ والخبر):" اعلم أنّ الفاء تدخل على خبر المبتدأ الواقع بعد أما وجوباً، نحو: أمّا زيدٌ فقائمٌ. ولا تحذف إلا لضرورة، كقوله: فأمّا القتالُ لا قتالَ لديكمُ
أو لإضمار القول، كقوله تعالى:" فأمّا الذينَ اسودّتْ وجوهُهُم أكفرتُم".أي: فيقال لهم: أكفرتم؟ وتجيء علة الإتيان بالفاء في خبر مثل المبتدأ في حـروف الشرط."
وكأنّ الرضي هنا يريد أن يقول: ليس شرح مثل تلك العلة موضعه هنا، وإنّما سيأتي في مكانه في ( حروف الشرط) فانظر هناك.
وكذلك نحو قوله في باب ( المجرورات):" وقد يجيء في باب الصفة المشبهة علة استقباحهم لمثل: زيدٌ حسنٌ وجهه، بالإضافة".
وأحياناً لا يحدد الرضي هذا الموضع ولا يسميه، كما في قوله في باب (الضمر): "أعلم أنّه لا يستتر من المضمرات إلا المرفوع، لأنّ المنصوب والمجرور فضلة، لأنهما مفعولان والمرفوع فاعل وهو كجزء الفعل، فجوزوا في باب الضمائر المتصلة التي وضعها للاختصار استتار الفاعل، وخاصة الضمير المتصل كجزء الفعل، فاكتفوا بلفظ الفعل عنه كما يحذف في آخر الكلمة المشتهرة شيء، ويكون فيما أبقى دليل على ما ألقى كما مضى في الترخيم. وعلة استتاره فيما يستتر فيه قد مضت."
وكذلك نحو قوله في باب ( المضارع) يتحدث عن إعراب المضارع:" قوله: إعرابه رفع ونصب وجزم. قد مضى علة اختصاصه بالجزم."
ولم يكن اجتهاد الرضي في التعليل مقتصراً على استدعاء علل السابقين له، وإنما امتد به الأمر إلى أن سجل عللاً غير قليلة على لسانه نفسه، فمنها قوله في باب ( الكلام): " والمراد بالإسناد أن يخبر في الحال أو في الأصل بكلمة أو أكثر عن أخرى على أن يكون المخبر عنه أهم ما يخبر عنه بذلك الخبر في الذكر وأخص به وقولنا أو في الأصل ليشمل الإسناد الذي في الكلام الإنشائي، نحو: بعت وأنتَ حرّ، وفي الطلبي، نحو: هل أنت قائم؟ وليتك أو لعلك قائم، وكذا نحو: اضرب، لأنه مأخوذ من تضرب بالاتفاق. وقياسه لتضرب بزيادة حرف الطلب قياساً على سائر الجمل الطلبية، فخفف بخلاف اللام، وحذف حرف المضارعة لكثرة الاستعمال بدلالة قولك فيما لم يسم فاعله منه: لتضرب، وفي الغائب ليضرب، وفي المتكلم لأضرب ولنضرب لما قل استعمالها.." ففي هذا القول علل الرضي التخفيف والحذف بكثرة الاستعمال.
وكذلك قوله في باب (العامل):" اعلم أن تقدير الإعراب لأحد شيئين، إما تعذر النطق به واستحالته، وإما تعسره واستثقاله". فقد ذكر هنا علتين هما: علة التعذر، وعلة التعسر.
وعلله كلها جاءت موزعة على نوعين. الأول: هو ما يُسمّى بالعلل البسيطة، وهي التي تعلل ظاهرة واحدة من جهة واحدة، وهذا النوع من العلل هو الغالب في الشرح، ومثل ذلك قوله في باب ( غير المنصرف):" ثم نقول: منع الصرف في رحمن أولى، لأن الممنوع من الصرف مما هو على هذا الوزن وصفاً في كلام العرب أكثر من المصروف".
ومثل ذلك قوله في باب ( المبتدأ والخبر):" فعلى ما فسر المصنف ينبغي أن يكون معنى سلام عليك، قولي للفظ سلام عليك. وليس كذا، بل سلام في قولك: سلام عليك بمعنى المصدر سلّمك الله، أي: جعلك سالماً، فالأصل: سلمك الله سلاماً، ثم حذف الفعل لكثرة الاستعمال."
وكذلك قوله بعد ذلك الكلام:" اعلم ان خبر المبتدأ قد يكون جملة اسمية أو فعلية كما مثل به المصنف، وإنما جاز أن يكون جملة لتضمنها للحكم المطلوب من الخبر كتضمن المفرد له.
والنوع الثاني هو ما يسمى بالعلل المركبة، وذلك نحو قوله في باب (المضمر):" واعلم أن أول ما ابتدئ بوضعه من الأنواع الخمسة ضمير المرفوع المتصل، لأن المرفوع مقدم على غيره، والمتصل مقدم على المنفصل لكونه أخصر، فنقول: إنما ضموا التاء في المتكلم لمناسبة الضمة لحركة الفاعل، وخصوا المتكلم بها لأن القياس وضع المتكلم أولاً، ثم المخاطب، ثم الغائب، وفتحوا للمخاطب فرقاً بين المتكلم وبينه، وتخفيفاً، وكسروا للمخاطبة فرقاً ولم يعكسوا الأمر بكسرها للمخاطب وفتحها للمخاطبة.
 وكذلك قوله  في (اسم التفضيل):" ونقل عن المبرد والأخفش جواز بناء أفعل التفضيل من جميع الثلاثي المزيد فيه كانفعل واستفعل ونحوهما قياساً. وليس بوجه لعدم السماع وضعف التوجيه فيه بخلاف أفعل."
وهو إلى جانب ما تقدم كله يصف العلة أحياناً، وذلك كوصفه لها بالاطّراد، نحو قوله في باب ( المبتدأ والخبر):" اعلم أن جمهور النحاة على أنه يجـب كـون المبـتدأ معـرفة، أو نكـرة فـيها تخصيص ما قال المصنف، لأنه محكوم عليه، والحكم على الشيء لا يكون إلا بعد معرفته. وهذه العلة تطرد في الفاعل مع أنهم لا يشترطون فيه التعريف ولا التخصيص.
ووصف علة أخرى بعدم الاطراد، قال في باب ( المذكر والمؤنث):" وفي تجريد هذه  الصفات عن التاء مع عدم قصد الحدوث ثلاثة أقوال: أحدها قول الكوفية، وهو أن التاء إنما يؤتى بها للفرق بين المذكر والمؤنث، وإنما يحتاج إلى الفرق عند حصول الاشتراك. وهذه العلة غير مطردة في نحو: ضامر وعانس.
ووصف علة أخرى بالظهور، كما في قوله في باب ( الموصول):" وعلة بناء (ما)، و (مَنْ) الشرطيتين والاستفهاميتين والموصلتين ظاهرة[14].
إن ما ساقه الرضي في الشرح من علل تطلب الخفة، والفرار من الثقل واللبس والضعف، إنما تعتمد ذوق العرب في ذلك. ومما تقدم نصل إلى أن الرضي كان على وعي بجوانب العلة وأنواعها ودورها في تقعيد النحو العربي، وأنه نهج في التوسل بها نهجاً واضح المعالم، بين النتائج.


ج‌.       الخاتمة
الخلاصة
1.   يرى أهل النحاة حيث يقول أن العلل النحوية هي الجواب عن كل حكم إعرابي يخضع له الاسم في حالاته الثلاث الرفع والنصب والجر, والفعل في حالتي الإعراب والبناء , وكذلك في الرد على حكم الاسم المبني .
2.   ذكر لها الزجاجي في كتاب ( الإيضاح في علل النحو) على ثلاثة  أنواع منها: العلل التعليمية هي التي يتوصل بها إلى تعلم كلام العرب ،والعلل القياسية هي الأجوبة الثانية في أحكام الإعراب والبناء , وتسمى أيضا بعلة العلة , وهي ما يسميها الدينوري  بالعلة الحِكْمية , وكأنها علل تظهر حكمة العرب , عن طريق كشف صحة أغراضهم ، والعلل الجدلية النظرية هي الأجوبة الثالثة في أحكام البناء والإعراب , وتسمى أيضا بعلة علة العلة .
3.   خصائص العلل النحوية منها فالعلة التي أوردها هنا على لسان سيبويه هي كثرة الاستعمال، وقد علل بها حذف فعل النداء بعد أداة النداء. والعلة التي ساقها هنا على لسان سيبويه هي علة التقارب، وبها علل حمل عسى على لعل. فالعلة التي أوردها هنا على لسان الفراء النحوي الكوفي المذهب هي علة الاختصاص، وبها علل رفع الاسم الذي يقع بعد لولا. والعلة في هذا القول على لسان الفراء هي علة التخفيف، وبها علل إضافة الاسمين اللذين ليس في أحدهما زيادة فائدة، أحدهما إلى الآخر. فالعلة التي أتى بها هنا على لسان الأخفش هي علة الضعف عن العمل عملين اثنين، وقد علل بها ما ذهب إليه من أن أداة الشرط تعمل في فعل الشرط دون أن يصل عملها إلى الجزاء.


قائمة المراجع

الزجاجي. 1996. الإيضاح في علل النحو. لبنان: دار الفكر.
الزمخشري. 2003.المعجم المفصل في النحو, بيروت: دار الفكر.
ضيف، شوقي. 2002 . الرد على النحاة.القاهرة: مكتبة المصري.
بن فلاح اليمني ،منصور. 1999.شرح الكافية. مصر: النهضة.
بن عمر البغدادي، عبد القادر. 2002 . خزانة الأدب. مصر :دار القلم.



[1]  الإيضاح في علل النحو , الزجاجي. ص: 66
[2]  الإيضاح في علل النحو , الزجاجي ص: 100 في باب ذكر علل العربية أكلامية هي أم فقهية
[3]  نفس المرجع ص: 103
[4]  المعجم المفصل في النحو , ج/2 ص: 683
[5]  الرد على النحاة , ص: 127
[6]   شرح الكافية ج2/ص20، وانظر أمثلة أخرى ج1/ص32، 41، 57، 90، 255، وج2/ص190، 198، 348
[7]  الشرح ج1/ص104
[8]  نفس المرجع
 انظر خزانة الأدب ج3/ص122( طبعة هارون)[9]
[10]  سورة البقرة، الآية
[11]  شرح الكافية ج1/ص325
[12]  شرح الكافية ج1/ص267
[13]  انظر خزانة الأدب ج1/ص452( هارون).
[14]  الشرح ج2/ص55، وانظر أمثلة أخرى ج1/ص150، وج2/ص22

1 komentar: